الأربعاء، 5 أبريل 2017

وهذه شهادة منا على عصر محمد علي
[الحلقة الثانية]
برغم أن محمد علي استطاع أن يحقق نهضة كبيرة في مصر إلا أنه في المقابل دأب على سياسة من أبرز ملامحها القهر والظلم والاستعباد ضد جموع الشعب المصري، فقد بلغ من شدة ظلمه أن قام بجمع حُجَج الأراضي من الفلاحين وخيَّرهم بين التعامل بالسُخرة، أو دفع ضريبة بديلة، وحرَّم عليهم أن يأكلوا شيئًا مما يزرعونه بأيديهم، وأبطل التجارة، وزاد في أسعار المعايش أضعافًا مضاعفة، وفرض الضرائب التي لا يطيق الشعب دفعها، وجعل كل نشاط اقتصادي يؤول إليه، وكان ناقماً على الناس
ونتج عن تلك السياسات بغضاً شديداً من الفلاحين لمحمد علي ومعاونيه، وهروبهم من قراهم وأراضيهم، فرارًا من الظلم والاستبداد الواقع عليهم، وأعرضوا عن الدخول في التجنيد، حتى بلغ عدد الفلاحين الفارّين في عام واحد وهو عام 1831م ستة آلاف فلاح.
حتى في القاهرة حينما أراد محمد علي أن يُعمّر القاهرة ويعيد بناءها كلّف الناس بتعميرها وكان التعامل مع المصريين في مشروع تعمير القاهرة مبني على أساس: السخرة والذل والمهانة وتقطيع الثياب ودفع الدراهم القليلة.
لقد كان المؤرخ العظيم عبد الرحمن الجبرتي معاصرًا لسياسة الظلم التي مارسها محمد علي على الشعب المصري، إذ امتصّ حقوقه وخيراته وفتح للتجار الأوربيين الباب على مصراعيه لدخول مصر والهيمنة على اقتصادها، وأصبحت مصر هي المزرعة التي تعتمد عليها أسواق أوروبا من المنتجات الزراعية، وارتبطت مصر بأوربا ارتباطًا حضاريًّا وتجاريًّا، والأخطر من هذا كله هو شروعه في تمكين دعاة الثقافة الأوربية من السيطرة على الحياة الفكرية في مصر بعد أن قام بشلّ حركة دعاة الاتجاه الإسلامي، ولم يكتفي بهذا كله بل أوقف مناهج التعليم القائمة على الدين، تنفيذًا لسياسية نابليون الماسونية، وهو أمر أكده المؤرخ الإنجليزي أرنولد توينبي بقوله: (كان محمد علي دكتاتورًا، أمكنه تحويل الآراء النابليونية إلى حقائق فعَّالة في مصر).
وأرجع الجبرتي ذلك إلى ما يتسم به محمد علي من "داء الحسد والشَّره والتطلع لما في أيدي الناس والطمع في أرزاقهم"
وفي رأيي الشخصي أن الأفعال المشينة التي فعلها محمد علي مع المصريين ترجع إلى التركيبة الغير سوية لشخصيته حيث أن هناك جوانب خطيرة في حياته منذ مولده ونشأته لا يعرفها كثير من الناس، وإليكم شيئاً من هذه الجوانب:-
أولاً: مشكلته مع تاريخ ميلاده:
شوهد تاريخ ميلاده على قبره وهو عام 1770م، بينما أعلن للناس في حياته أنه من مواليد 1769م، ولا أحد يدري لماذا تمسكه بأنه من مواليد 1769م.
ثانيا: نشأ يتيماً:
فقد توفيت والدته وهو في السادسة من عمره.
ثالثاً: موت كل إخوته في حياة أبيه:
كان له سبعة عشر أخًا وافتهم المنية في حياة والدهم.
رابعاً: بدأ يتعلم بعد الأربعين:
لم ينل أي قسط من التعليم، وشرع في تعلم القراءة والكتابة وهو في الخامسة والأربعين من عمره.
خامساً: عمل مع والده في تجارة الدخان:
وخلال تجارة محمد علي بالدخان تعرف على رجل من مرسيليا يدعى ليون، قنصل فرنسا في قولة، وأفادته علاقاته به في خبرته بالتجارة.
سادساً: هجرته زوجته أمينة بسبب مذبحة القلعة:
استبشعت أمينة هانم زوجة محمد علي المجزرة التي فعلها في المماليك وامتنعت عنه طول حياتها.
سابعاً: وفاة ابنه بشكل مفاجئ:
كان طوسون بن الوالي محمد علي هو أحب أبناء محمد علي باشا إلى قلبه، وقد أرسله للحجاز على رأس الحملة المصرية التي خرجت إلى السعودية لمقاتلة أتباع محمد بن عبد الوهاب، وكان سن طوسون لا يزيد عن 18 عاماً، واستطاع طوسون هزيمة الوهابين في مكة والمدينة سنة 1813م وتمكن من مفتاح المدينتين وسلمهم إلى الباب العالي بتركيا، وعندما استعاد الوهابين قوتهم بعد الهزائم المتتالية من جيش محمد علي، خرج محمد علي إلى الجزيرة العربية ليقاتلهم بنفسه.
وحين رجع طوسون إلى مصر في 29 سبتمبر سنة 1816 قرر محمد علي إقامة حفلة كبيرة واحتفالات مهيبة ابتهاجاً بعودة طوسون، ولكنه صُدم من بداية الحفلة بعد علمه بإصابة طوسون بالطاعون والذي ما لبث أن مات في اليوم التالي. فحزن محمد علي حزناً شديداً وتأثر تأثراً كبيراً، و لم يخرج من حالته إلا بعد فترة.
ثامناً: تزوج مرتين وله 11 جارية:
كان لمحمد علي زوجتين:
الأولى: أمينة هانم وهي بنت علي باشا الشهير بمصرلي من أهالي قرية نصرتلي.
رزق منها محمد علي باشا الكبير خمسة أولاد ثلاثة ذكور وبنتين وهم: الأمير إبراهيم، الأمير أحمد طوسون، الأمير إسماعيل كامل ، الأميرة توحيدة هانم، الأميرة نازلي هانم .
الثانية : ماه دوران هانم أوقمش قادين و لم يرزق منها أولاد .
تاسعاً: أصيب بالزهايمر في أواخر حياته:-
تعرض في أواخر حياته التي شارفت علي الثمانين بأن اعتلت صحته وأصيب بضعف في قواه العقلية وضعف ذاكرته، ولم يعد في استطاعته القيام بأعباء الحكم، ولم ينجح الأطباء في علاج هذا المرض.
عاشراً: طلب أن يُدْفن بالقلعة من أجل السيدة “عائشة”:
لماذا أراد محمد علي أن يُدفن في مسجد السيدة عائشة؟
أجاب عن هذا السؤال خادم المسجد حيث قال: إن محمد علي أراد أن يكون الدفن بالقلعة لأنه كان محباً للسيدة عائشة بشدة، ورأى أنه لعل الله يغفر له ما فعله بالمماليك شفاعة لحبه للسيدة عائشة زوجة سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم. 

مـقـالات أخــرى:
* حماية اللغة العربية.... مسئولية من؟
 

مختار العربي (46 سنة)

لدي قناعة تامة بأن الترجمة سبب رئيسي في تقدم الفرد والمجتمع والدولة في كافة مجالات الحياة، حيث أنها أهم أداة للتواصل بين الأفراد والشعوب لذلك قمت بانتقاء فريق عمل بعناية حتى نستطيع القيام بتنفيذ أعمال الترجمة بكفاءة عالية .

شارك الموضوع :

ضع تعليقك :

0 التعليقات