الأحد، 2 أبريل 2017



اهتمام الحكام بالترجمة في العصر العباسي
( 132- 656 هجرية) (750 -1258  ميلادية)
 لقد أثّر نقل عاصمة الخلافة الإسلامية من دمشق (في العصر الأموي) إلى بغداد (في العصر العباسي) على حركة الترجمة، حيث تعتبر بغداد نقطة لتلاقي العديد من الثقافات المختلفة. وتطورت التّرجمة من كونها عملية تعريب للسجلات الإدارية (في عهد الدولة الأموية) إلى حركةٍ علمية نشطة تشرف عليها الدولة عند العباسيين.
ولقد نشطت حركة الترجمة في العصر العباسي بصورة كبيرة، ويرجع ذلك إلى اهتمام الخلفاء العباسيين ورعايتهم للمترجمين بصورة جماعية، على عكس ما كان عليه نشاط الترجمة عند الأمويين من محاولات ضعيفة ترتبط بنشاط أفراد الخلافة، من دون أن تكون سياسة تنتهجها الدولة، حيث اعتبر العباسيين الترجمة من أهم ركائز الدولة.
ويمكن تقسيم تاريخ حركة الترجمة في العصر العباسي إلى مرحلتين:
المرحلة الأولى: تبدأ من قيام الدولة العباسية إلى ما قبل عهد المأمون (750-815 ميلادية)
المرحلة الثانية: وتبدأ من عهد المأمون حتى وفاته (815- 833 ميلادية)
ومن أبرز علامات هذه الحركة التي شهدها العصر العباسي ما يتمثل في عهود كل من:-
(1) أبو جعفر المنصور (136- 158 هجرية):
اهتم بترجمة الكتب من اليونانية والفارسية إلى العربية، وخلال عهده تُرجمت بعض كتب جالينوس في الطب (والتي كان خالد بن يزيد قد أمر بترجمة بعضها في عهد الدولة الأموية).
وكان أبو جعفر مولعاً بالفلسفة والتّنجيم فأمر بترجمة كتاب "السّند هند" الذي يتحدث عن حركات النجوم. وأرسل إلى امبرطور بيزنطة بأنّ يرسل إليه ما عنده من كتب ومخطوطات ومن ضمنها كتاب إقليدس "الأصول" وكتاب بطليموس "المجسطي" وبعض كتب الرياضيات.
وفي عهد أبو جعفر ترجم أبو يحيى البطريق كتاب "المقلات الأربع في صناعة أحكام النّجوم" لبطليموس، كما ترجم الطّبيب جورجيوس بن يختشوع كتباً طبية من اليونانية إلى العربية.
ومن المترجمين في عهده أيضاً ابن المقفع، وهو من أشهر المترجمين من الفارسيّة إلى العربيّة. ومن ترجماته كتاب “التاج” وكتاب “الأدب الصغير” و”الأدب الكبير” وكتاب “خدينامة” الذي يتحدث عن تاريخ الفرس وكتاب “آيين نامة” الذي يتناول عادات ونظم وشرائع الفرس وغيرها من الكتب.
ولم تقتصر ترجماته على اللغة الفارسيّة، وإنّما ترجم من اليونانيّة أيضاً، وذلك مثل كتب أرسطو في المنطق.
ومن الجدير بالذّكر أنّ بعض الكتب التّي ترجمها ابن المقفع من اليونانية إلى العربية فُقدت من اليونانيين، فأصبحت ترجمة ابن المقفع العربيّة هي المصدر الوحيد لإعادة ترجمة هذه الكتب إلى اليونانية مرة أخرى!!!
(2) هارون الرشيد (170 -194 هجرية):
أمّا في عهد هارون الرّشيد فقد اشتهر فيه عدد من المترجمين مثل المترجم جبرائيل بن يختشوع الذي كان طبيباً يترجم من اليونانيّة إلى العربية، وهو الذي اقترح على الرّشيد إيفاد بعثة للتفتيش عن مخطوطات اليونان، وله كتب مثل "التّذكرة".
كما اهتم هارون الرشيد بالاستعانة بمترجمين من بعض الأقطار العربية مثل لبنان ومصر وسورية، سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين، ممن كانوا يتقنون لغة أجنبية إلى جانب العربية، وأنشأ [دار الحكمة] في بغداد، وحرص على تزويدها بالكتب التي نقلت من القسطنطينية وآسيا الصغرى.
وكذلك الحجاج بن مطر الذي ترجم كتاب إقليدس.
وأيضاً يوحنا بن ماسويه الذي ترجم مؤلفاتٍ طبيةً من اليونانيّة إلى العربيّة.
(3) المأمون ( 198-218 هجرية):
أجزل العطاء للمترجمين، وأرسل بعثات إلى القسطنطينية لجلب ما يمكن الحصول عليه من مؤلفات يونانية في شتى ألوان المعرفة، وكان ممن أرسلهم الحجاج بن مطر، وابن البطريق.
وقد ذكر ابن النديم أنه كان بين المأمون وامبراطور القسطنطينية مراسلات بهذا الشأن.
هذا ويعد عصر المأمون من أزهى عصور الترجمة عند المسلمين، فقد كان المأمون شغوفاً بالعلم، وكان يعقد المناظرات والمناقشات العلمية، وهو أولّ من اهتم بترجمة كتب الحكمة.
بعث بالهدايا لملوك أوروبا من أجل أن يرسلوا له كتب أفلاطون وأرسطو وجالينيوس وغيرهم، وأمر بترجمتها ونشر العلم بين النّاس.
حُنين بن إسحاق: أبرز المترجمين في عصر المأمون، شكّل علامة فارقة في التّرجمة، حيث كانت التّرجمة قبله تتم عن اليونانية والسّريانية بطريقةٍ حرفية، بمعنى ترجمة معنى كل كلمة على حدة إلى العربية.
أما حُنين بن إسحاق فاعتمد طريقة فهم الجملة كاملة ومن ثم ترجمة معناها بالمجمل دون ترجمة كل كلمة حرفياً.
كما قام بتحقيق النصوص عن طريق المقارنة بين المخطوطات ومراجعة الترجمات السابقة.
كان يجيد اليونانية والسريانية والفارسية وكان رئيس بيت الحكمة، وكان المأمون يهديه وزن ما يترجمه ذهباً.
نقل 39 من مؤلفات جالينيوس إلى العربية، وقام بتعديل ما ترجم عنه من ذي قبل (أي في عصر الدولة الأموية).
كما ترجم 7 من كتب الفلسفة لسقراط، وترجم التّوراة من اليونانية إلى العربية.
كما نقل 100 كتاب إلى اللغة السريانية.
ترك إرثاً ضخماً يضم 270 كتاباً مترجماً و15 كتاباً من تأليفه.
كما لم يقتصر دوره على التّرجمة وإنّما عمل على تدريسها.
ومن تلامذته إبن أخته حبش بن الحسن الأعسم، ترجم عدداً من كتب جالينيوس، وترجم كتاب ديسقوريدس "الأقراباذين" الذي يتناول علم النباتات، ويعد هذا الكتاب أصل علم العقاقير عند العرب.
وكذلك ابنه إسحاق بن حُنين بن إسحاق الذي فاق والده تفوقاً في اللغة العربية، فقام بترجمة الطبّ والفيزياء والفلسفة اليونانية للعربية، وكانت ترجماته تتميز بالدّقة التي تدل على فهم عميق لفكر أرسطو.
ومن أشهر المترجمين أيضاً أولاد موسى بن شاكر وهم:-
محمد – أحمد - الحسن
نشأوا في بيئة علمية، اهتموا بالهندسة، وعلم الحيل (الميكانيكا)، والنجوم، والموسيقى، وقد أرسلوا من يجلب لهم الكتب من بلاد الروم لترجمتها.
ومن الجدير بالذكر أن الاهتمام بالترجمة في هذه الفترة لم يقتصر على الخلفاء والأمراء وإنّما كانت الترجمة مثار اهتمام أفراد الشعب، وكان هناك العديد من الأشخاص الذين يترجمون بجهود فردية دون ارتباطاتٍ مع الخلفاء.
 (4) المعتصم (218- 227هجرية):
برز في عهده العديد من المترجمين مثل ثابت بن قرة الذي ألف كتاب "الذّخيرة" في الطّب، وكتاب "حساب الأهلة" في الفلك.
ترجم عن اليونانية كتاب "أثافروديطوس" الذي شرح فيه كلام أرسطو عن (الهالة) قوس قزح.
ولم يكتف بذلك وإنّما اهتم بتصحيح وتدقيق ترجمات غيره، ولكن للأسف تمّ فقدان معظم ترجماته.
خلاصة القول:
أن حركة النقل والترجمة التي حدثت إبان العصر العباسي تعتبر أول حركة مُنظمة ومُرتبة في تاريخ المسلمين، ويرجع ذلك لتعدد مصادرها، فقد قام العرب بالترجمة عن لغات متعددة مثل الهندية والفارسية واللغة السريانية والقبطية وأيضاً اليونانية إلى العربية ، كما تميزت هذه التراجم بتنوعها إذ راحت تغطى شتى أنواع العلوم على اختلافها من الفلسفة والمنطق والطب والفلك والرياضيات والكيمياء والطبيعة والأدب وغيرها.
وفي النهاية تبقى شهادة:-
وهي أنه عندما انتصر المأمون على تيوفيل ملك الروم سنة 215هـ/ 831م عَلِم بأن اليونانيين قاموا بجمع كتب الفلسفة من المكتبات، وألقوا بها في السراديب، وذلك عندما انتشرت النصرانية في بلادهم، فطلب المأمون من تيوفيل أن يعطيه هذه الكتب مقابل رفع الغرامة التي كان قد فرضها عليه، فقبل تيوفيل بذلك واعتبره مكسبًا كبيرًا له لنجاة أمته من أوحال الفلسفة اليونانية العقيمة الفاسدة.
أمّا المأمون فقد اعتبر ذلك نعمة عظيمة عليه، بينما كانت – في الحقيقة – نقمة كبيرة على المسلمين، إذ تسببت تلك الكتب في إشغال المسلمين بالجدل فيما لا فائدة فيه ولا طائل من وراءه، بل أدخلت في الإسلام عقائد وثنية مما كان يؤمن بها فلاسفة الملل الأخرى كعقيدة الحلول والاتحاد، ووحدة الوجود، والعقول العشرة، وغيرها.

مختار العربي (46 سنة)

لدي قناعة تامة بأن الترجمة سبب رئيسي في تقدم الفرد والمجتمع والدولة في كافة مجالات الحياة، حيث أنها أهم أداة للتواصل بين الأفراد والشعوب لذلك قمت بانتقاء فريق عمل بعناية حتى نستطيع القيام بتنفيذ أعمال الترجمة بكفاءة عالية .

شارك الموضوع :

ضع تعليقك :

0 التعليقات