الثلاثاء، 4 أبريل 2017



الترجمة فى عصر محمد علي
[الحلقة الأولى]
من المعروف أن حركة الترجمة مرتبطة بوجوب دخول مصر إلى عالم المطابع وقد حدث ذلك في عهد الحملة الفرنسية، لكن الفرنسيون قاموا بنقل مطبعتهم العربية والفرنسية إلى فرنسا بعد خروجهم من مصر، ولكن في عهد محمد علي كانت أهم خطواته لإنشاء مطبعة في مصر هي إيفاد شخص يدعى نيقولا مسابكي إلى إيطاليا لمدة عشر سنوات من 1811م إلى 1821م لدراسة فن الطباعة، ثم تبنى حركة ترجمة شاملة لا نظير لها في تاريخ الأمة العربية منذ عهد المأمون.
وكان أول كتاب قد تُرجم عن الفرنسية وطُبع في المطبعة العربية التي أنشأتها الحملة الفرنسية كان كتاب بعنوان "مرض الجدري"، وهو من تأليف دي جينيت، ومن ترجمة رافاييل زاخور.
وبعد ذلك توقفت الترجمة والطباعة وقتاً، دام حتى دارت مطبعة محمد علي ببولاق.
ويُمكننا أن نتتبع تاريخ الترجمة الحديثة في بداياته على ثلاث مراحل:-
(1) مرحلة المترجمين السوريين الذين ظهروا مع الحملة الفرنسية، وكانوا من أوائل المترجمين في عصر محمد علي، في الفترة بين 1822م و1831م، أي حتى عودة البعثة الأولى من الطلبة المصريين الذين أرسلهم محمد علي لإتقان الترجمة في أوروبا.
(2) مرحلة عودة المبعوثين المصريين إلى أوروبا، التي بدأت نحو 1831م وانتهت بنهاية عهد محمد علي في 1849م.
(3) مرحلة خريجي مدرسة الألسن التي أنشأها محمد علي في 1835م، وكان ناظرها والقائم على كل شئونها ومديرها وعقلها المدبر وقلبها هو رفاعة الطهطاوي، وكانت مدة الدراسة فيها خمس سنوات وظلّت هذه المدرسة تُخرّج الأفواج حتى أغلقها عباس الأول في نوفمبر 1849م، لعدم رضاه عن سياسة جده محمد علي وعمه إبراهيم باشا.
وقد كان أول كتاب تُرجم إلى العربية في عهد محمد علي هو كتاب في "صناعة صباغة الحرير" لماكيه، ومترجمه أنطون رفاييل زاخور، وقد طُبع في مطبعة بولاق في 1823م.
كذلك ترجم رفاييل زاخور في 1824م – 1825م إلى العربية كتاب "الأمير" لـ/ مكيافيللي.
والترجمة العربية بعنوان "المجلد الرابع من مصنفات نيقلاوس في التواريخ وفي علم حسن التدبير في الأحكام"، وهي مخطوط في دار الكتب المصرية من 80 صفحة، والترجمة غير كاملة وفصولها الأولى تحمل عنوان "رأس"، أما فصولها الباقية فتحمل عنوان "فصل"، مما يدل على أن المترجم كان حائراً بين المعنى الحرفي أو الاشتقاقي لكلمة chapter والمعنى الاصطلاحي.
(وهذه الترجمة غير الترجمة التركية لكتاب "الأمير" التي أُعدّت لمحمد علي بتوجيه صولت قنصل إنكلترا العام في مصر).
وقد كان أول مبعوث أوفده محمد علي إلى أوروبا هو عثمان نور الدين الذي قضى خمس سنوات في بيزا وليفورنو بين 1809 و1814م، ثم قضى ثلاث سنوات بين فرنسا وإنجلترا، ولما عاد إلى مصر في 1817م أسّس أول مدرسة نظامية هي مدرسة بولاق ومكتبتها في 1820 – 1821م.
وقد كلّف محمد علي عثمان نور الدين وهو في أوروبا أن يشتري كتباً بمبلغ (خمسين ألف روبل)، وفي 1818م أمر محمد علي بشراء 600 كتاب فرنسي آخر.
وقد كانت هذه نواة مكتبة مدرسة بولاق.
وفي 1826م تلقّى محمد علي مكتبة في العلوم البحرية مُهداة إليه من مدير ترسانة طولون عن طريق دروفتي قنصل فرنسا العام في مصر.
وبعد عودة البعثة المصرية الأولى، بعثة 1826م، في أوائل الثلاثينات من القرن التاسع عشر احتجزهم محمد علي في القلعة، ووزّع على كلٍ منهم كتاباً فرنسياً يترجمه، ولم يأذن بخروج أحدٍ منهم قبل أن يفرغ من ترجمة كتابه.
وفي 10 سبتمبر 1834 أصدر محمد علي أمراً لكل المبعوثين في الخارج أن يترجموا الكتب التي يدرسونها في أوروبا أولاً بأول أثناء إقامتهم في البعثة وأن يرسلوها بعد ترجمتها إلى مصر.
ولم تقتصر حركة الترجمة في عصر محمد علي على الترجمة من اللغات الأوروبية إلى اللغة العربية، فقد كانت هناك ترجمة مُنظّمة تحت كنف الدولة المصرية من اللغات الأوروبية إلى اللغة التركية (61 كتاباً)، ومن اللغة العربية إلى اللغة التركية (6 كتب).
وقد كانت أبرز ظاهرة في هذا الاتجاه أن ترجمة مراجع العلوم والفنون العسكرية (حربية وبحرية) كان أكثرها من الفرنسية إلى التركية لاستخدامها في الجيش المصري، حيث الضباط إما أتراك أو شراكسة أو ألبان ... ألخ، وإما مصريون قد تعلّموا التركية وهؤلاء قاموا بترجمة (53 كتاباً)، وأقل الترجمة كانت من الفرنسية إلى العربية (8 كتب).
ولم يُنقل من الإيطالية إلى العربية غير قاموس رفاييل إلا كتابان، بينما نقل من الفرنسية إلى العربية (111 كتاباً)، وهذا يوضّح أن لغة الترجمة الأولى في عصر محمد علي كانت اللغة الفرنسية.
وهناك 3 كتب إنجليزية الأصل ولكنها نقلت إلى العربية عن طريق الفرنسية، وهي كتابان في التاريخ وكتاب في طب العيون.
وقد بلغ مجموع الكتب المترجمة في عصر محمد علي (191 كتاباً) وفي تحليل اتجاهات الترجمة أيام محمد علي نجد أن العلوم العسكرية كان لها نصيب الأسد حيث بلغت (64 كتاباً)، ويليها الطب البشري (34 كتاباً)، ويليها الطب البيطري (22 كتاباً)، ويليها العلوم الهندسية، وهي الهندسة والجبر وحساب المثلثات والحساب والميكانيكا والهيدروليكا والمساحة وعلم الخرائط (31 كتاباً)، ويليها العلوم الطبيعية والكيميائية، وهي الطبيعة والكيمياء والصيدلة والتعدين والجيولوجيا (7 كتب)، وأخيراً الزراعة والنبات (3 كتب).
أما الأدب فقد كان للتاريخ فيها نصيب كبير (14 كتاباً)، وتليه الرحلات (4 كتب)، وتليها الجغرافيا (3 كتب).
وأخيراً كتاب واحد في التربية، وكتاب في المنطق في تاريخ الفلسفة، وكتاب في علم الاجتماع، وكتاب في علم السياسة.
أما الأدب فلم يكن له نصيب إلا "مغامرات تليماك"، التي ترجمها رفاعة الطهطاوي عن فنيلون في منفاه بالخرطوم أيام عباس الأول.
هذا ولم تكن مطبعة بولاق هي المطبعة الوحيدة في عصر محمد علي (صدر عنها 171 كتاباً)، فقد كانت هناك مطبعة مدرسة المهندسخانة (صدر عنها 5 كتب)، ومطبعة مدرسة الطب بأبو زعبل (صدر عنها كتابان)، ومطبعة ديوان الجهادية (صدر عنها 6 كتب)، ومطبعة سراي رأس التين بالإسكندرية (صدر عنها كتابان).
فالعبء الأكبر كان واقعاً على مطبعة بولاق، ولكن مطبعة الليثوجراف (الحجر) التابعة للمهندسخانة كانت تُسعف في طبع الكتب الهندسية بما فيها من رسوم هندسية.

مختار العربي (46 سنة)

لدي قناعة تامة بأن الترجمة سبب رئيسي في تقدم الفرد والمجتمع والدولة في كافة مجالات الحياة، حيث أنها أهم أداة للتواصل بين الأفراد والشعوب لذلك قمت بانتقاء فريق عمل بعناية حتى نستطيع القيام بتنفيذ أعمال الترجمة بكفاءة عالية .

شارك الموضوع :

ضع تعليقك :

0 التعليقات