الاثنين، 3 أبريل 2017


الترجمة في العصر الأندلسي
كانت دولة الأندلس -أسبانيا والبرتغال حالياً- (711 – 1492 ميلادية) نقطة انطلاق جديدة للترجمة عن العربية ومنها، فقد أسهم (بيت الحكمة البغدادي) في رفع الحركة الثقافية في الأندلس ودعمها وتزويدها بالعلماء والعلوم والمؤلفات، وحثها على الترجمة والتأليف، بفضل التواصل الثقافي بين كل من (حضارة قرطبة وحضارة بغداد)، إذ تتلمذ الكثير من طلبة الأندلس على يد عباقرة في مدارس الكوفة وبغداد والبصرة وغيرها من مدن العراق.
ويرجع الفضل في نقل الحضارة العراقية إلى الأندلس للأمير عبد الرحمن الثاني (الأوسط).
كما أن النظام القرطبي كان يقتفي أثر النظام العباسي في الثقافة، وتكوين بلاط الأمير كان يدل على تقليده لخلفاء بغداد .
ويؤكد المؤرخ الأندلسي أحمد الرازي أن أهل الأندلس كانوا يستقبلون بإعجاب واحترام كل من كان يأتي من بغداد، ونقل معه معالم حضارة عراقية في الفن والأدب وتقاليد اجتماعية وأذواق حضارية أسهمت في نقلة حضارية سريعة في الأندلس.
أصبح المسجد الجامع في قرطبة الذي يحتوي في أروقته على اكبر أكاديمية في العالم تنافس بيت الحكمة البغدادي، وتخرجت منه كوادر علمية خدمت الثقافة العربية الإسلامية.
يروي ابن حزم القرطبي في حكاية عابرة أن علماء قرطبة ساروا على نفس طريق علماء (بيت الحكمة)، وقد تشوق ابن حزم لزيارة بغداد فوصفها في قوله (بغداد حاضرة الدنيا ومعدن كل فضيلة والمحلة التي سبق أهلها إلى حمل ألوّية المعارف والتدقيق في تصريف العلوم..).
أكد المستشرق الأسباني اميليو كاريثه كومث في مقالته عن بغداد بالأسبانية: ما كان للحضارة البغدادية من نفوذ طاغ على مدن أسبانيا التي لم تكن إلا صوراً للمدينة المشرقية.
كما أظهر المستشرق الأسباني اسين بلاثيوس تأثر الفكر الفلسفي الأندلسي بالثقافة العراقية وغيرها.
وكان لوصول أبي علي البغدادي القالي ومؤلفاته العديدة إلى الأندلس في عصر الخلافة، وقدوم الأديب صاعد البغدادي صاحب كتاب (الفصوص) دليل على إسهامات بيت الحكمة في النهضة في بلاد الأندلس.
وظهر جليا تطور حضاري في عصر الخليفة المستنصر بالله، ويرجع ذلك لاهتمامه وحرصه على تنشيط الحركة الثقافية، إذ استطاع الحصول على نسخة من كتاب (الأغاني) لمؤلفه أبي الفرج الأصبهانى بمبلغ 1000 دينار قبل ظهوره في أسواق الكتب ببغداد، كما بنى مكتبة خاصة بالقصر كانت تحتوي على أكثر من أربعمائة ألف مجلد، وظهرت طبقة من الأطباء العظماء مثل الزهراوي أكبر جراح في العالم وقتئذ.
وتتلمذ عدد من الأطباء في بغداد منهم أبناء يونس بن أحمد الحراني، وهما أحمد وأخوه عمر، واللذَينِ قاما بعمل مذخراً (بيتاً أو مخزناً) لصناعة الأدوية في قرطبة، على غرار ما شاهدوه في بغداد و البصرة، وذلك في مدينة الزهراء.
أعجب الرحالة ابن حوقل البغدادي والذي ألّف كتاب (صورة الأرض) بما شاهده من حضارة متطورة في قرطبة التي يسميها (بغداد الثانية).
كما زار الرحالة الأندلسي ابن جبير البلنسي (توفي 614 هـ) بغداد وأعجب بمعالمها الحضارية.
وزار بغداد أيضا عدد كبير من العلماء والأدباء والفقهاء منهم الحميدي الميورقي، وأبو الوليد الباجي، وأبو علي الصدفي، والطرطوشي (أبي رندقة)، وابن سعيد المغربي، وأبو بكر بن العربي الأشبيلي وغيرهم.
والتقى علماء الأندلس وأدباؤها بأساتذة ومعلمي (بيت الحكمة) وطلبته في بغداد وأخذوا عنهم وتتلمذوا على أيديهم وعادوا إلى الأندلس وهم يحملون الثقافة البغدادية والمؤلفات والعادات والتقاليد.
وأصبحت طليطلة منافساً لبغداد في مجال الترجمة، واستمر هذا الازدهار قرنٌ كامل، كما برز جيلاً من المترجمين قاموا بترجمة مؤلفات العرب في كثير من المجالات مثل الفلسفة والطب وعلم الفلك والرياضيات وغيرها.
ومن المترجمين البارزين وقتئذ الأسقف ريموند، ويوحنا الأشبيلي، والشماس ماركوس الذي ترجم معاني القرآن الكريم!!، وهرمانوس المانوسي والذي ترجم شروح ابن رشد على أرسطو.
كما زار طليطلة كثير من المترجمين منهم برونتولابين والذي أرسله ملك روما، أما الإيطالي جيرار الكريموني فقد قام بمجهود كبير جداً في ترجمة الكثير من علوم الجغرافية والفلسفة، منها كتاب (التصريف) للزهراوي، كما ترجم أيضاً أكثر من 70 مؤلفا عربياً في دولة الأندلس.
وتطورت الترجمة في الأندلس فصار هناك متخصصين في الترجمة من العربية الى اللاتينية مثل ناثان المئوي وسليمان بن يوسف وجيوفاني دي كابوا.
ورغم غياب المعاجم المزدوجة والقواميس المتخصصة إلا أن مترجمي ذلك العهد كانوا يلجأون من أجل سد هذا الفراغ إلى التكاتف والتكامل من خلال الاعتماد على العمل الجماعي المثمر بين أصحاب جميع التخصصات، فكانت النتائج مبهرة وإيجابية إلى حد كبير، وقد تجلى ذلك في الترجمات التي تم إنجازها والتي كانت على قدر كبير من الأمانة العلمية الدقيقة مع وضوح جودة الترجمة بجلاء.
 
مـقـالات أخــرى
* حماية اللغة العربية.... مسئولية من؟

مختار العربي (46 سنة)

لدي قناعة تامة بأن الترجمة سبب رئيسي في تقدم الفرد والمجتمع والدولة في كافة مجالات الحياة، حيث أنها أهم أداة للتواصل بين الأفراد والشعوب لذلك قمت بانتقاء فريق عمل بعناية حتى نستطيع القيام بتنفيذ أعمال الترجمة بكفاءة عالية .

شارك الموضوع :

ضع تعليقك :

0 التعليقات